قال الشيغ د محمد بن عبد الرحمان الخميس : ومما
وقع للشوكاني رحمه الله في تفسيره من الزلات نقله لبعض الروايات الموضوعة والضعيفة
التي وضعها طوائف من الشيعة والإمامية لنصرة ما ذهبوا إليه من الباطل المخالف لما
كان عليه السلف؛ فإن السلف يثبتون الإمامة لأبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي
جميعا، وهذا من أصول اعتقادهم التي قلوها في كتبهم، وادعت الشيعة أن عليا أحق
بالإمامة وأن الشيخين قد اغتصباها منه، وأن الأمة كتمت نصوصًا تدل على أحقيته فيها،
وقد أورد الشوكاني بعض هذه الروايات الموضوعة دون أن ينبه عليها، ونحن نربأ به أن
يكون موردًا لنصوص تؤيد ما ذهبت إليه الشيعة، عمدًا منه، ولكن فاته التنبيه عليها،
فمنها:
1 -
ذكر ضمن ما ذكر من الروايات عن ابن عباس أنه قال: تصدق علي بخاتم وهو راكع، فقال
النبي
للسائل: من أعطاك هذا الخاتم؟ قال: ذلك الراكع. فأنزل الله فيه: }إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ...{
ومر الشوكاني على هذه الرواية الموضوعة باتفاق أهل العلم فلم ينبه عليها، وانظر
(فتح القدير 2/53).
2 -
أورد الشوكاني كذلك (جزء 2/60) في تفسير الآية (67) من سورة المائدة قال: «وأخرج
ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية
}يَا أَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ...{ على
رسول الله يوم
غد يرخم في علي بن أبي طالب t،
ولم يبين الشوكاني عدم صحة هذه الرواية؛ بل أوردها كما رأيت وسكت
عنها.
3 -
وأورد كذلك (2/60) عقب كلامه السابق رواية أخرى قال فيها: «وأخرج ابن مردويه عن ابن
مسعود قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله :
(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك إن عليا مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما
بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) وسكت عن هذه الرواية كذلك.
وكان
الواجب عليه بيان حالها، لأن مسائل الإمامة هي من مسائل الأصول عند السلف، وليس
معنى ذلك أنها من مسائل أصول الإيمان كأركانه الستة مثلا؛ ولكن لما ضلت طوائف
الشيعة والرافضة في هذا الباب، وأكثروا فيه الابتداع نص العلماء فيما نصوا عليه من
مسائل الأصول التي أوردها في كتب العقيدة- نصوا على هذه المسألة حتى يغلقوا باب
الفتنة والابتداع في الدين، والافتراء على أصحاب رسول الله ،
ورميهم بما هم براء منه.
هذا
ومما يؤسف له وجود تيار بين بعض الناشئة ممن لم ينالوا قسطا وافرًا من إلمام
بالعلوم الشرعية وبما هو لائق بأهل العلم العاملين من الإكرام والإنصاف، لذا تراهم
يعرضون عن قراءة كتاب «فتح الباري بشرح صحيح البخاري» لابن حجر العسقلاني، وكتاب
«شرح صحيح مسلم» للنووي، وكتاب «فتح القدير» للشوكاني، وهذا منهم جهل وقصور؛ فإنهم
لم يبلغوا عشر معشار هؤلاء في العلم والورع والصدع بالحق والزهد في الدنيا والعمل
بعلمهم وما وقع من
هنات فإنه قطرات قليلة في بحر صوابهم وحسناتهم الزاخرة، فلله درهم على ما قدموا
للإسلام، وعلى ما نشروا من علومه، وعلى ما نوروه من قلوب مظلمة بفضل الله تعالى،
ونصيحتي لهؤلاء أن يقفوا من هؤلاء العلماء موقف المنصف، وأن يكفوا ألسنتهم عن
الوقوع فيهم، فإنهم بين يدي الله تعالى، ويخشى على من وقع فيهم أن يكون ممن يأكلون
لحوم العلماء المسمومة وأن ينظروا إلى ما ألقى الله لهم ولكتبهم من القبول والذيوع
بين الناس، فهذه والله بشارة خير لهم، وإن كان ثمة أخطاء فيجب أن تبين ولكن بهدوء
وأدب، ودون الخوض فيهم والتنقص لهم.
وأخيرًا
فلا أدعي أني قد وفيت الموضوع حقه، وما أتيت به؛ فإنه أمثلة لهنات وزلات وقع فيها
المؤلف رحمه الله في تفسيره «فتح القدير»، وصدق الله: }وَلَوْ كَانَ
مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا
كَثِيرًا{
والله من وراء القصد وهو حسبنا الله ونعم الوكيل.
0 التعليقات:
إرسال تعليق