آخر المواضيع

الأربعاء، 7 مايو 2014

أقوى الأحوال مظنة لكلمة السوء هي حالة المناظرة العلامة ابن باديس


قال الله تعالى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا}.
[سورة الإسراء: الآية 54]

قال العلامة ابن باديس رحمه الله تعالى:
أقوى الأحوال مظنة لكلمة السوء هي حالة المناظرة والمجادلة.
وأقرب ما تكون إلى ذلك إذا كان الجدال في أمر الدين والعقيدة، فما أكثر ما يضلل بعض بعضاً أو يفسقه أو يكفره، فيكون ذلك سبباً لزيادة شقة الخلاف اتساعاً، وتمسك كل برأيه ونفوره من قول خصمه. دع ما يكون عن ذلك من البغض والشر.
فذكَّر الله تعالى عباده بأنه هو العالم ببواطن خلقه وسرائرهم وعواقب أمرهم، فيرحم من يشاء، ويعذب من يشاء، بحكمته وعدله.
فلا يقطع لأحد بأنه من أهل النار لجهل العاقبة سواء كان من أهل الكفر، أو كان من أهل الفسق، أو كان من أهل الابتداع.
كما لا يقطع لأحد بالجنة كذلك، إلاَّ من جاء النَّص بهم.
فلا يقال للكافر عند دعوته أو مجادلته: إنك من أهل النار، ولكن تذكر الأدلة على بطلان الكفر، وسوء عاقبته.
ولا يقال للمبتدع: يا ضال، وإنما تبين البدعة وقبحها.
ولا يقال لمرتكب الكبيرة: يا فاسق، ولكن يبين قبح تلك الكبيرة وضررها وعظم إثمها.
فتقبح القبائح والرذائل في نفسها، وتجتنب أشخاص مرتكبها.
إذ رب شخص هو اليوم من أهل الكفر والضلال تكون عاقبته إلى الخير والكمال.
ورب شخص هو اليوم من أهل الإيمان ينقلب- والعياذ بالله تعالى- على عقبه في هاوية الوبال.
وخاطب الله تعالى نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أنه لم يرسله وكيلاً على الخلق، حفيظاً عليهم، كفيلاً بأعمالهم. فما عليه إلاّ تبليغ الدعوة، ونصرة الحق بالحق، والهداية والدلالة إلى دين الله وصراطه المستقيم. خاطبه بهذا ليؤكد لخلقه ما أمرهم به، من قول التي هي أحسن للموافق والمخالف. فلا يحملنّهم بغض الكفر والمعصية على السوء في القول لأهلها، فإنما عليهم تبليغ الحق كما بلغه نبيهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. ولن يكون أحد أحرص منه على تبليغه؛ فحسبهم أن يكونوا على سنته وهديه. أحيانا الله عليهما، وأماتنا عليهما، وحشرنا في زمرة أهلهما.
آمين.

تفسيرُ ابْن باديس ج 1 ص292 الى 293
ومن الاداب االمجادلة بالتي هي احسن

قال الله تعالى: { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)} [النحل: 125].
قال العلامة ابن باديس رحمه الله تعالى:
لا بد أن يجد داعية الحق معارضة من دعاة الباطل، وأن يلقى منهممشاغبة بالتشبهات، واستطالة بالأذى والسفاهة؛ فيضطر إلى رد باطلهم وإبطال شغبهم، ودحض شبههم، وهذا هو جدالهم ومدافعتهم الذي أمر به نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بقوله: {وَجَادِلْهُمْ ... }.
ولما كان أهل الباطل لا يجدون في تأييد باطلهم إلاّ الكلمات الباطلة يموهون بها، والكلمات البذيئة القبيحة يتخذون سلاحاً منها، ولا يسلكون في مجادلتهم إلاّ الطرق الملتوية المتناقضة، فيتعسفون فيها ويهربون إليها؛ لما كان هذا شأنهم، أمر الله نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أن يجتنب كلماتهم الباطلة والقبيحة، وطرائقهم المتناقضة والملتوية.
وأن يلتزم في جدالهم كلمة الحق والكلمات الطيبة البريئة.
وأن يسلك في مدافعتهم طريق الرفق والرجاحة والوقار، دون فحش ولا طيش ولا فظاظة.
وهذه الطريقة في الجدال هي التي هي أحسن من غيرها، في لفظها ومعناها، ومظهرها وتأثيرها، وإفضائها للمقصود من إفحام المبطل وجلبه، ورد شره عن الناس، وإطلاعهم على نقصه، وسوء قصده.
وهذه هي الطريقة التي أمر الله نبيه- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بالجدال بها في قوله: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]
تفسيرُ ابْن باديس ج 1 ص 146 - 147
ومن الاداب ايضا
تجنب ذكر العيوب والمثالب:
قال العلامة ابن باديس رحمه الله تعالى:
على الداعي إلى الله والمناظر في العلم، أن يقصد إحقاق الحق وإبطال الباطل، وإقناع الخصم بالحق وجلبه إليه؛ فيقتصر من كل حديثه على ما يحصل له ذلك، ويتجنب ذكر العيوب والمثالب، ولو كانت هنالك عيوب ومثالب؛ اقتداءً بهذا الأدب القرآني النبوي في التجاوز مما في القوم عن كثير، وفي ذكر العيوب والمثالب خروج عن القصد وبعد عن الأدب، وتَعَدٍّ على الخصم وإبعاد له، وتنفير عن الاستماع والقبول، وهما المقصود من الدعوة والمناظرة.
تفسيرُ ابْن باديس ج 1 ص 108- 109.
ومن الاداب كذلك الحذر من نزغات الشيطان ووساوسه

قال الله تعالى:
{إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}. [الإسراء:53].
قال العلامة ابن باديس رحمه الله تعالى: (نزغ الشيطان) وسوسته ليهيج الشر والفساد، وعداوته باعتقاده البغيض، وسعيه في جلب الشر والضر، وإبانته لعداوته بإعلانه لها كما علمنا القرآن. وهو يلقي للإنسان كلمة الشر والسوء، ويهيج غضبه ليقولها، ويهيج السامع ليقول مثلها، وهكذا حتى يشتد المراء ويقع الشر والفساد.
ولون آخر من نزغه: وهو أنه يحسن للمرء قول الكلمة التي يكون فيها احتمال السوء، ويلح عليه في قولها، ويبالغ في تحسين الوجه السالم منه، وفي تهوين أمر وجهها القبيح حتى يقولها. فإذا قالها عاد لسامعه بالنزغ يطمس عنه الوجه السالم منها، ويكبر له الوجه القبيح، ولا يزال به يثير نخوته، ويهيج غضبه، حتى يثور فيقع الشر والفساد بينه وبين صاحبه.
فحذَّر الله تعالى عباده من كيده حتى يحترسوا منه إذا تكلموا وإذا سمعوا، فيتباعدون عما فيه احتمال السوء فضلاً عن صريحه، ويحملون الكلام على وجهه الحسن عند احتماله له، ويتجاوزون عن سيئة الصريح ما أمكن التجاوز. 

تفسيرُ ابْن باديس ج 1 ص291



 

0 التعليقات:

إرسال تعليق



 
القالب من تعريب وتطوير فؤاد احمد ابو اسماء :: الحقوق محفوظة ::